کد مطلب:256450 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:344

مع المتوکل العباسی
عاصر الامام الهادی علیه السلام ستة من خلفاء بنی العباس و أشد دور مر علیه هو دور المتوكل العباسی، فهو كیزید بن معاویة فی بنی أمیة.

ان أول عمل قام به ازاء الامام الهادی علیه السلام هو حمله من مدینة جده الرسول الأعظم صلی الله علیه و آله و سلم و اسكانه فی (سر من رأی) علی غیر رغبة منه علیه السلام.

ان الأربعة عشر عاماً التی عاشها الامام علیه السلام من حكم المتوكل كانت أشد سنین مرت علیه. جرعه فیها صنوف الأذی و المحن.

و نحن نقتصر علی ذكر حادثة واحدة وقعت للامام علیه السلام ذكرها جل من ترجم له علیه السلام.

سعی بأبی الحسن علی بن محمد الهادی علیه السلام الی المتوكل و قیل له: ان فی منزله سلاحاً و كتباً و غیرها من شیعته، فوجه الیه لیلاً من الأتراك و غیرهم من هجم علیه فی منزله، علی غفلة ممن فی داره، فوجدوه فی بیت وحده مغلق علیه، و علیه مدرعة من شعر، و لا بساط فی البیت الا الرمل و الحصی، و علی رأسه ملحفة من الصوف متوجهاً الی ربه یترنم بآیات من القرآن فی الوعد و الوعید [1] .

فأخذ علی ما وجد علیه، و حمل الی المتوكل فی جوف اللیل فمثل بین یدیه و المتوكل یشرب و فی یده الكأس، فلما رآه أعظمه و أجلسه الی جنبه و لم یكن فی



[ صفحه 243]



منزله شی ء مما قیل عنه، و لا حالة یتعلل علیه بها، فناوله المتوكل الكأس الذی فی یده، فقال: یا أمیرالمؤمنین ما خامر لحمی و دمی قط فاعفنی منه.

فأعفاه و قال: أنشدنی شعرا أستحسنه.

فقال: انی لقلیل الروایة للاشعار.

فقال: لابد أن تنشدنی فأنشده:



باتوا علی قلل الأجبال تحرسهم++

غلب الرجال فما أغنتم القلل



و استنزلوا من بعد عز عن معاقلهم ++

فأودعوا حفراً یا بئس ما نزلوا



ناداهم صارخ من بعد ما قبروا++

أین الأسرة و التیجان و الحلل



أین الوجوه التی كانت منعمة++

من دونها تضرب الأستار و الكلل



فأفصح القبر عنهم حین ساءلهم ++

تلك الوجوه علیها الدود یقتتل



قد طالما أكلوا دهرا و قد شربوا++

فأصبحوا بعد طول الأكل قد أكلوا



و طالما عمروا دورا لتحصنهم ++

ففارقوا الدور و الأهلین و انتقلوا



و طالما كنزوا الأموال و ادخروا++

فخلفوها علی الأعداء و ارتحلوا



أضحت منازلهم قفراً معطلة++

و ساكنوها علی الأجداث قد رحلوا



قال: فأشفق كل من حضر علی علی وظن أن بادرة تبدر منه الیه.

قال: والله لقد بكی المتوكل بكاءاً طویلاً حتی بلت دموعه لحیته، و بكی من حضر، ثم أمر برفع الشراب، ثم قال له: یا أباالحسن أعلیك دین؟

قال: نعم، أربعة آلاف دینار.

فأمر بدفعها الیه، و رده الی منزله من ساعته مكرماً [2] .



[ صفحه 244]



هذه الحادثة یذكرها أكثر أهل التاریخ و السیر و التراجم و یمكننا أن نشیر الی خمسین مصدراً و قد تركنا كلمات بعض الأعلام فی الامام علیه السلام تهرباً من تكرارهم هذه القصة.

و الذی أرید أن أسجله فی هذا الفصل: أن من درس التاریخ یجد الأئمة علیهم السلام جمیعهم كان دیدنهم العبادة و التهجد و قد أوقفناك فی هذه السلسلة علی بعض ما ذكروه من عبادتهم و أورادهم و قراءتهم للقرآن.

كما أن المتوكل العباسی لم یكن الأول و الآخر فی سلوكه هذا المسلك، فهذا التاریخ مملوء بذكر مجون من تقدمه أو تأخر عنه من الخلفاء.



تتلی التلاوة فی أبیاتهم سحرا++

و فی بیوتكم الأوتار و النغم



فكانت أموال المسلمین تصرف علی القیان و المخنثین و الشراب، و كانت همة كل واحد منهم أن یجمع حوله بطانة من المغنین، و أراذل الناس، یقضی معهم لیالیه الحمراء.

و اذا تأملت نصیحة الامام الجواد علیه السلام للمأمون العباسی، فی ترك الشراب المسكر [3] تعرف مدی ما وصل الیه هؤلاء من ارتكاب الجرائم و الاستهتار، فالمأمون - مع جلالته من بین الخلفاء و تمیزه من بینهم بالعلم و المعرفة - لا یتورع من الشراب المسكر فما هو دیدن غیره؟

ولو لم تكن هناك نصوص علی الأئمة علیهم السلام، و لم ترد فیهم أحادیث الرسول الأعظم صلی الله علیه و آله و سلم و لم یكونوا الثقل الذی تركه رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم علیه و آله بین ظهرانی الأمة، لو لم یكن كل هذا أو ذاك، لكانوا أحق من غیرهم بالخلافة لورعهم، و تقاهم، و علمهم، و شرفهم، و ما اتصفوا به من فضائل.

و أعجب من هذا أن یترك شطر كبیر من المسلمین أئمة أهل البیت علیهم السلام، و یستبدلوا بهم غیرهم من هم أقل منهم علماً و عملاً، و دونهم تقی و شرفاً، و أبعد من رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم نسباً و رحماً (أتستبدلون الذی هو أدنی بالذی هو خیر).



[ صفحه 245]




[1] قال ابن الساعي في مختصر أخبار الخلفاء: كان عليه السلام يقرأ في تلك الساعة (أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين ءامنوا و عملوا الصلحت سوآء محيهم و مماتهم سآء ما يحكمون).

[2] مروج الذهب 4 / 94. الدمعة الساكبة 3 / 142. الأنوار البهية 148. جوهرة الكلام 152.

عقيدة الشيعة 216. مرآة الجنان 2 / 160. وفيات الأعيان 1 / 322. نور الأبصار للحائري 278. الأئمة الاثناعشر لمحمد بن طولون 108. البداية و النهاية 11 / 15. نزهة الجليس 2 / 131. نور الأبصار للشبلنجي 150. تذكرة الخواص 203. مختصر أخبار الخلفاء 61. منهاج السنة 2 / 129. بحارالأنوار 12 / 149. أعيان الشيعة 4 ق 2 / 181. مآثر الكبراء 3 / 110. سفينة البحار 2 / 241. وفاة الامام علي الهادي عليه السلام 57.

[3] أنظر الفصل التاسع من هذا الكتاب ص 199.